فصل: شكمبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 زاوه

كورة بخراسان‏.‏

ينسب إليها الشيخ حيدر وهو رجل مشهور كان عجيب الشأن‏:‏ في الصيف يدخل في النار وفي الشتاء يدخل في وسط الثلج والناس من الأطراف يقصدونه لرؤية هذا الأمر العجيب‏.‏

فمن رآه على تلك الحالة لا يملك نفسه أن يترك الدنيا ويلبس اللباد ويمشي حافياً وسمعت أن كثيراً ما يأتي الأمراء وأرباب الدنيا فكلما رأوه رموا أنفسهم من الفرس ولبسوا اللباد‏.‏

ولقد رأيت من الأتراك مماليك في غاية الحسن وقد لبسوا اللباد يمشون حفاة قالوا‏:‏ انهم أصحاب حيدر‏!‏ وحكى بعض المتصوفة أن الشيخ رئي يوماً فوق قبة عالية لا يمكن صعودها فتعجبوا منه كيف صعد إليها ثم انه جعل ينزل منها كما يمشي أحدكم على الأرض المستوية‏!‏ وكان هذا الشيخ باقياً إلى مجيء التتر سنة سبع عشرة وستمائة‏.‏

زراعة قرية في شرقي الموصل قرب باعشيقا بها عين النيلوفر وهي عين فوارة يجتمع فيها ماء كثير ينبت في ذلك الماء النيلوفر ويعد نوعاً من أنواع دخل القرية ويضمنه العامل في القرية بمال‏.‏

 زز

كورة بهمذان‏.‏

يجلب منها الززي وهي ثمرة عجيبة مشهورة تربى بالخل لها منافع كثيرة ويكون طعم خلة طيباً جداً ولا يوجد في جميع البلاد إلا هناك ومنها يحمل إلى سائر البلاد‏.‏

زنجان مدينة مشهورة بأرض الجبال بين أبهر وخلخال جادة الروم وخراسان والشام والعراق لا تزال الحرامية كامنة حواليها‏.‏

والبلدة في غاية الطيب وأهلها أحسن الناس صورة وظرافة وبذلة‏.‏

وفي جبالها معادن الحديد ويحمل منها إلى البلاد وإذا وقع عندهم جدب لا يبيعون الخبز إلا مع الحديد فمن أراد شري الخبز يزن ثمن الخبز والمسامير‏.‏

وحكي انه وصل إليها قفل آخر النهار فقال بعضهم لبعض‏:‏ المصلحة أن لا نبيت ها هنا ونرحل حتى إذا كان الغد بعدنا عن هذه الأرض‏.‏

فدخلوا المدينة حتى يشتروا شيئاً من الخبز فما وجدوا الخبز إلا عند خباز واحد وكان عنده برذعة فقال‏:‏ لست أبيع الخبز إلا مع البرذعة‏!‏ وكل واحد يؤدي ثمن الخبز وثمن البرذعة يأخذ الخبز ويترك البرذعة حتى جاء رجل ظريف قال الخباز‏:‏ هات ثمن البرذعة‏!‏ فقال الرجل‏:‏ حاجتي إلى البرذعة أمس من حاجتي إلى الخبز وأدى ثمنها وأخذها من عند الخباز وأحرقها‏.‏

وحكي أن رجلاً طوالاً أراد شري البطيخ فأخذ يستامه وقال للبائع‏:‏ انها صغار‏!‏ فقال البائع‏:‏ من الموضع الذي تنظر يرى الجمل عصفوراً وانها ليست بصغار‏.‏

وحكي أن رجلاً من أوساط الناس حلف بأبيه فقال بعض الحاضرين‏:‏ وهل كان لك أب فقال‏:‏ وهل يكون الإنسان بلا أب قال‏:‏ ما كان أباً يذكر في المحافل‏!‏ ومن عجائبها ما ذكره أبو الريحان الخوارزمي عن أبي الفرج الزنجاني‏:‏ أنه لا يرى بزنجان عقرب إلا في موضع يسمى مقبرة الطير فإن أخرجت منها عادت إليها سريعاً وما ذاك إلا لطيب تربتها ولطافة هوائها‏.‏

وبها جبل بزاو قالوا‏:‏ انه من أنزه المواضع وأطيبها وليس على وجه الأرض موضع أرق منه هواء ولا أعذب ماءً ولا أطيب رائحة نباته الرياحين فراسخ في فراسخ تفوح روائحها من بعد بعيد فإذا كان فصل الربيع يرى أديمه مثل الديباج المنقش من ألوان الرياحين‏.‏

ينسب إليها جلال الطبيب‏.‏

كان طبيباً عديم النظير في الآفاق كان في خدمة ازبك بن محمد بن ايلدكز صاحب آذربيجان وأران لا يفارقه يقول‏:‏ ان حياتي محفوظة بهذا الرجل‏!‏ وكان آية في المعالجات ما كان يمشي إلى المريض بل يستخبر عنه ويأمر بدواء حقير ويكون البرء حاصلاً كان وجوده فائدة عظيمة للناس ما وجد مثله بعده‏.‏

ساباط بليدة كانت بقرب مدائن كسرى أصله بلاشاباد يعني عمارة بلاش وهو من ملوك الفرس فعربته العرب وقالوا ساباط‏.‏

ينسب إليها حجام كان يحجم الناس نسيئة فإذا لم يأته أحد يحجم أمه حتى لا يراه الناس بطالاً فما زال يحجمها حتى ماتت فقالت العرب‏:‏ افرغ من حجام ساباط‏!‏ وكان كسرى ابرويز ألقى النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيل بساباط لما قتل عدي بن زيد وجاء إلى كسرى مستغفراً فما قبل توبته قال الشاعر‏:‏ فأدخل بيتاً سقفه صدر فيله بساباط والحيطان فيه قوائمه سامرا مدينة عظيمة كانت على طرف شرقي دجلة بين بغداد وتكريت بناها المعتصم سنة إحدى وعشرين ومائتين وسبب بنائها أن جيوشه كثروا حتى بلغ مماليكه سبعين ألفاً فمدوا أيديهم على حرم الناس‏.‏

وإذا ركبوا انحطم كثير من الصبيان والعميان والضعفاء من ازدحام الخيل فاجتمع عامة أهل بغداد ووقفوا للمعتصم وقالوا‏:‏ قد عمنا أذى جيوشك‏!‏ إما تمنعهم أو تقلبهم عنا وإلا حاربناك بدعاء السحر‏!‏ فقال‏:‏ اما تقلبهم فلا يكون إلا بتقلبي ولكني أوصيهم بترك الأذى فما زادتهم الوصية إلا زيادة الفساد فوقفوا له مرةً أخرى وقالوا‏:‏ إما تحولت عنا وإلا حاربناك بدعاء السحر‏!‏ فقال‏:‏ هذه الجيوش لا قدرة لي بها نعم أتحول وكرامةً‏.‏

وساق من فوره حتى نزل سامرا وبنى بها داراً وأمر عسكره بمثل ذلك حتى صارت أعظم بلاد الله بناء وأهلاً‏.‏

وأنفق على جامعها خمسمائة ألف دينار وجعل وجوه حيطانها كلها المينا وبنى المنارة التي كانت إحدى العجائب وحفر الاسحقي‏.‏

وبنى الملوك والأمراء بها دوراً وقصوراً وبنى الخلفاء بها أيضاً قصوراً عجيبة وكان المعتصم والواثق والمتوكل بنوا بها قصوراً والمتوكل اشتق من دجلة قناتين شتوية وصيفية وتدخلان الجامع وتتخللان شوارع المدينة‏.‏

وفي جامعها السرداب المعروف الذي تزعم الشيعة ان مهديهم يخرج منه لأنهم زعموا أن محمد بن الحسن دخل فيه وكان على باب هذا السرداب فرس أصفر سرجه ولجامه من الذهب إلى زمن السلطان سنجر بن ملكشاه‏.‏

جاء يوم الجمعة إلى الصلاة فقال‏:‏ هذا الفرس ههنا لأي شيء فقالوا‏:‏ ليخرج من هذا الموضع خير الناس يركبه‏.‏

فقال‏:‏ ليس يخرج منه خير مني‏!‏ وركبه‏.‏

زعموا أنه ما كان مباركاً لأن الغز غلبته وزال ملكه‏.‏

ولم تزل سامرا في زيادة عمارة من أيام المعتصم إلى أيام المستعين فعند ذلك قويت شوكة الأتراك ووقعت المخالفة في الدولة فلم تزل في نقص إلى زمان المعتضد بالله فإنه انتقل إلى بغداد وترك سامرا بالكلية فلم يبق بها إلا كرخ سامرا وموضع المشهد والباقي خراب يباب يستوحش الناظر إليها بعد ان لم يكن في الأرض أحسن ولا أجمل ولا أوسع ملكاً منها‏.‏

فسبحان من يقلب الأمور ولا يتغير بتغير الأزمنة والدهور‏!‏ قال ابن المعتز‏:‏ غدت سرّ من را في العفاء فيا لها قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل تفرّق أهلوها ولم يعف رسمها لما نسجته من جنوبٍ وشمأل إذا ما امرؤٌ منهم شكا سوء حاله يقولون‏:‏ لا تهلك أسىً وتجمّل‏!‏ ساوه مدينة طيبة كثيرة الخيرات والثمرات والمياه والأشجار في وهدة من الأرض‏.‏

وكانت في قديم الزمان على ساحل بحيرة غاضت عند مولد النبي صلى الله عليه وسلم ورأيت موضع البحيرة زرعوه شعيراً‏.‏

وحدثني بعض مشايخها انه شاهد السفينة تجري فيها‏.‏

وأهل ساوه مخصوصون بحسن الصورة واستقامة الطبع ومعرفة وزن الشعر وعلم الغناء وذلك يترشح منهم حتى من نسائهم وصبيانهم وكلهم على مذهب الشافعي ما فيها واحد يخالفهم إلا الغريب‏.‏

وبها رباطات ومدارس ومارستانات والطاق الذي على باب الجامع وهو طاق عال جداً مثل طاق كسرى على طرفيه منارتان في غاية العلو ليس في شيء من البلاد مثله‏.‏

وفي وسط الجامع خزانة الكتب المنسوبة إلى الوزير أبي طاهر الخاتوني فيها كل كتاب معتبر كان في زمانه مع أشياء نادرة من الخطوط المنسوبة والاصطرلابات والكرات‏.‏

ومن عجائبها أن الترنجبين يقع في كل ثلاثين سنة بأرضها على الشوك الذي يختص به ويكثر حتى يجمع ويبتاع على الناس منه شيء كثير وأنا شاهدت ذلك مرة‏.‏

وينسب إليها القاضي عمر بن سهلان‏.‏

كان أديباً فقيهاً حكيماً خصه الله تعالى بلطافة الطبع وفطانة الذهن وفصاحة الكلام ومتانة البيان‏.‏

جميع تصانيفه حسن وكان معاصر الإمام حجة الاسلام الغزالي‏.‏

ومن عجائب ما حكي من لطف الله تعالى في حقه انه قال‏:‏ أردت الاشتغال بالعلوم وما كان لي مال ولم يبن في ذلك الوقت شيء من المدارس وكان له خط في غاية الحسن قال‏:‏ كتبت ثلاث نسخ من كتاب الشفاء لأبي علي بن سينا وكان إذ ذاك للشفاء رواج عظيم بعت كل نسخة بمائة دينار وأودعت ثمنها ثلاثمائة دينار عند بزاز صديق لي‏.‏

وكلما احتجت أخذت منها وأنفقت حتى غلب علي ظبي اني استوفيتها فانقطعت عنه فرآني الرجل وقال‏:‏ ما لي أراك تأخرت عن طلب النفقة قلت‏:‏ لأني استوفيتها‏!‏ قال‏:‏ لا بعد أكثره باق‏!‏ فكنت أمشي إليه بعد ذلك مرة أخرى ثم انقطعت لما علمت اني استوفيت أكثر من مالي فرآني وقال‏:‏ ما سبب انقطاعك قلت‏:‏ جزاك الله عني خيراً‏!‏ اني استوفيت أكثر من مالي‏!‏ فقال‏:‏ لا تنقطع فإنه قد بقي منها بعد كثير‏!‏ فكنت أمشي مرة أخرى مستحياً ثم انقطعت بالكلية فرآني الرجل وسأل ان لا أنقطع فامتنعت فلما ايس عن ذلك أخرج من كمه ثلاثمائة دينار وقال‏:‏ هذا رأس مالك والذي أخذته مكسبها لأني كنت أتجر لك عليها ولله تعالى الحمد إذ وفقني لبعض قضاء حاجة مثلك‏.‏

وينسب إليها القاضي عدة‏.‏

كان واعظاً ظريفاً حلو الكلام يرى الملوك له‏.‏

حكي انه كان يعقد مجلس الوعظ بهمذان وينفي التشبيه والقوم لم يقدروا عليه لمكانته عند السلطان فكانوا يكتبون إليه رقاعاً ويشتمونه فيها في نفسه وأهله وأولاده وهو يقول‏:‏ قد كتبوا كيت وكيت وهذا ممكن لكن وجود الإله على العرش محال‏!‏ وحكي أن بعض الملوك أراد رسولاً يبعثه إلى ملك آخر فعينوا على القاضي عدة فقالوا‏:‏ انه جيد لكنه يفسد الرسالة بطلب المال‏!‏ فقال‏:‏ حلفوه أن لا يطلب شيئاً‏!‏ فحلفوه وبعثوه فلما ذهب إليهم صبر أياماً لم يبعث إليه أحد شيئاً غير المرسل إليه فعقد مجلساً وقال‏:‏ يا قوم إن مرسلي حلفني أن لا أطلب من أحد شيئاً فقولوا أنتم من حلفكم أن لا تبعثوا إلي شيئاً وله وينسب إليها التاج محمد الواعظ المعروف بشجويه‏.‏

كان واعظاً فقيهاً حلو الكلام عذب اللهجة ذا قبول عند الخواص والعوام وكان وعظه معائب طبقات الناس فإذا حضر ملك يقول‏:‏ أيها الملك ماذا تقول في عبد لبعض الملوك اصطفاه سيده في حال هوانه وأفاض إليه أنواع إحسانه وفوض إليه أمر البلاد وجعل بيده أزمة العباد ثم ان هذا العبد خرب بلاده وقهر بالظلم عباده وخالف أمر سيده وعصى وتجاوز عن حده واعتدى فهل يستحق هذا العبد من سيده إلا العذاب العظيم والعقاب الأليم ثم قال‏:‏ أنت ذلك العبد أيها الملك إن الله اصطفاك على العباد وجعل بيدك أمر البلاد وأمرك بالعدل والإحسان ونهاك عن الظلم والطغيان وأنت نهارك مصروف في غصب الأموال وسفك الدماء وليلك بالفسق والفجور فما استحق من الله تعالى كفى بنفسك‏!‏ وكان يقول في العالم‏:‏ أيها العالم إذا جاءك المستفتي تقول لا مساغ لسؤالك في الشرع أصلاً وإذا ترك القرطاس تحت المصلى يكون ذلك وجهاً عن الصيدلاني أو الكرابيسي أو الاصطخري‏.‏

ويقول في المتصوفية‏:‏ أيها الشيخ إذا حضرت الدعوة تأكل أكل البعير ولو كان حراماً وتسمي ابن صاحب المنزل شاهداً وزوجته سكرجة وتترك العفاف خلف الزلى‏.‏

وهذا من اصطلاحات الصوفية والعفاف ليس يتخذونه لمذاكيرهم بتركه خلف الزلى‏.‏

وفي اليوم الثاني يمشي يقول‏:‏ فقير قد نسي خرقة خلف الزلى ليعرفهم أنه صاحب العفاف الكبير فمن له إليه حاجة يطلبه فكان يتخذ لكل طبقة من طبقات الناس عيباً على هذا المثال‏.‏

وينسب إليها جماعة ما كان لهم نظير في وقتهم مثل عماد الملك وزير السلطان خوارزمشاه كان وزيراً ذا رأي وعلم‏.‏

وتاج الدين كمالان‏.‏

كان عالماً ذا فنون من الخلاف والأصول والمذهب‏.‏

وبها المسكوي الطبيب‏.‏

كان طبيباً فاضلاً وحيد دهره‏.‏

وسعد المغني فإنه جمع بين الصوت والصنعة وله أقوال يتعجب منها أهل تلك الصنعة‏.‏

ومنها رتك المصارع‏.‏

طاف أكثر البلاد وصارع كل مصارع فيها وغلبه ولم يغلب قط‏.‏

ومنها الصفي كانون الشطرنجي فإنه كان يطرح الفرس لمن كان في الطبقة العالية‏.‏

ومن عاداتهم المحاجزة وهي أن القوم إذا كان فصل الربيع كل جمعة بعد الصلاة خرج من محلتين من كل واحدة منهما مائتان أو ثلاثمائة غلام يلتقون صفين عراة ويتلاكمون أشد الملاكمة ولا يزال كذلك إلى أن ينهزم أحد الصفين‏.‏

 سبران

صقع من نواحي الباميان بين بست وكابل قال نصر‏:‏ به جبال فيها عيون ماء لا تقبل النجاسات وإذا ألقي فيها شيء من النجاسات ماج وغلا نحو جهة الملقي فإن أدركه أحاط به وغرقه‏.‏

سرجهان قلعة على قلة جبل من جبال الديلم مشرف على قاع قزوين وابهر وزنجان وهي قلعة عجيبة من أحصن القلاع وأحكمها وعليها قلة وهي حصن على حصن بعد استخلاص الطبقة السفلى تبقى قلتها حصناً حيناً لا يسهل استخلاصها‏.‏

 سرخس

مدينة بين مرو ونيسابور بناها سرخس بن جودرز وهي كبيرة آهلة غناء كثيرة الخيرات لا ماء لها في الصيف إلا من الآبار ولأهلها يد باسطة في عمل العصائب والمقانع المنقوشة بالذهب منها تحمل إلى سائر الآفاق‏.‏

وينسب إليها أحمد بن الطيب السرخسي الحكيم الظريف الذي تظهر حكمته مع الظرافة‏.‏

ذكر أنه سئل عن لذات الدنيا فقال‏:‏ لذات الدنيا ثلاث‏:‏ أكل اللحم وركوب اللحم وإدخال ألم تر لذّة الدّنيا ثلاثاً إليها مال كلٌّ بالطّباع فذلك كلّها في اللّحم توجد بأكلٍ أو ركوبٍ أو جماع ومن كلامه‏:‏ أربعة أشياء لا قبل لها‏:‏ الدين والمرض والنار والسلطنة‏.‏

 سلماس

مدينة بآذربيجان بين تبريز وأرمية‏.‏

بها ماء من اغتسل به ذهب عنه الجذام‏.‏

سمعت أن مجذوماً موصلياً ذهب إليه فما رجع إلا سليماً نقي الجسد‏.‏

 سميرم

كورة بين أصفهان وشيراز‏.‏

بها عين ماء يدفع الجراد بها وهي من أعجب عجائب الدنيا‏:‏ وهو أن الجراد إذا وقعت بأرض يحمل من ذلك الماء إلى تلك الأرض بشرط أن لا يوضع الظرف الذي فيه الماء على الأرض ولا يلتفت حامله إلى ورائه فيتبع ذلك الماء من الطير السودانية عدد لا يحصى ويقتل الجراد‏.‏

ورأيت في سنة ست وستمائة بأرض قزوين جراداً كانت تستر شعاع الشمس عند طيرانها وما تركت بها ورقة خضراء وباضت بها قيل ان كل جرادة تبيض مائة بيضة فإذا تفرخت بيضها في السنة القابلة لا تقدر فراخها على الطيران فتقيم بها حتى تقوى ثم تطير عنها إلى أرض أخرى فبعث أهل قزوين رجلين أمينين في طلب ذلك الماء لدفع الجراد للسنة القابلة فأتيا به في إناء فجاء عقيب الماء من السودانية عدد لا يحصى وشرعت في قتل الجراد وأهلكتها عن آخرها‏.‏

قيل‏:‏ إن كل واحد من السودانية كان يقتل كل يوم من الجراد شيئاً كثيراً حتى قالوا قريباً من ألف لأنها كانت تأكل وتقذف ثم تأكل وتقذف ولا تفارق تلك الأرض حتى تقتل جميعها‏.‏

وحدث حامل ذلك الماء انه ما رأى شيئاً من السودانية عند المنبع قال‏:‏ فلما اغترفت وشرعت في الرجوع رأيت في كل منزل يحوم الطير حولنا وهذا من الخواص العجيبة الكثيرة النفع وانه مشهور ببلاد قهستان فسبحان من لا يطلع على أسرار حكمته إلا هو‏!‏ سناباذ من قرى طوس على ميل منها بها قبر الرشيد حكي أن بعض المنجمين حكم أن موت الرشيد يكون بأرض طوس فقال‏:‏ إذاً لا نطأ تلك الأرض أبداً‏!‏ حتى ظهر بخراسان رافع بن الليث بن نصر بن سيار وعظم أمره فأشاروا إلى الرشيد أنه لا يندفع إن لم يمض إليه بنفسه‏.‏

وكان الرشيد يكره ذلك قالوا‏:‏ ان مصالح الملك لا تترك بقول منجم ونحن نجمع بينهما نمشي إلى خراسان على وجه يكون بيننا وبين طوس مسافة بعيدة‏.‏

فلما وصلوا إلى نيسابور ضلوا عن الطريق في بعض الليالي فساقوا سوقاً شديداً فأصبحوا وهم على باب طوس فأتى الرشيد قشعريرة فأراد أن يتحول منها فما أمكنه وزاد به حتى مات ودفن هناك قال عباس بن الأحنف وكان مع الرشيد‏:‏ قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثمّ القفول فقد جئنا خراسانا أين الذي كنت أرجوه وآمله ذاك الذي كنت أخشاه فقد كانا وكان المأمون مع الرشيد بخراسان جعل قبر الرشيد وقبر علي بن موسى الرضا في قبة واحدة قال دعبل الخزاعي وهو شيعي‏:‏ قبران في طوس‏:‏ خير الناس كلّهم وقبر شرّهم هذا من العبر ما ينفع الرّجس من قرب الزّكيّ ولا على الزّكيّ بقرب الرّجس من ضرر وذكر بعض مشايخ طوس أن الرشيد في القبر الذي يعرفه الناس للرضا والرضا في القبر الذي يعرفه الناس للرشيد وذلك من تدبير المأمون‏.‏

والقبران متقاربان في قبة واحدة وأهل تلك القرية شيعة بالغوا في تزيين القبر الذي اعتقدوا أنه للرضا وهو للرشيد‏!‏ مدينة مشهورة بأرض الجزيرة بقرب الموصل ونصيبين في لحف جبل عال وهي طيبة جداً كثيرة المياه والبساتين والعمارات الحسنة كأنها مختصر دمشق وما رأيت أحسن من حماماتها‏.‏

بيوتها واسعة جداً وفرشها فصوص وكذلك تأزيرها وتحت كل أنبوبة حوض حجرية مثمنة في غاية الحسن وفي سقفها جامات ملونة الأحمر والأصفر والأخضر والأبيض على وضع النقوش فالقاعد في الحمام كأنه في بيت مدبج‏.‏

قال أحمد الهمذاني‏:‏ إن سفينة نوح عليه السلام نطحت جبل سنجار بعد ستة أشهر وثمانية أيام فطابت نفسه عليه السلام وعلم أن الماء أخذ في النضوب فقال‏:‏ ليكن هذا الجبل مباركاً‏!‏ فصارت مدينة طيبة كثيرة الأنهار والأشجار والنخل والأترج والنارنج‏.‏

وحكي أن جارية السلطان ملكشاه ضربها الطلق بأرض سنجار فقال المنجمون‏:‏ إن كان وضعها لا يكون اليوم يكون ولدها ملكاً عظيماً‏!‏ فأمر السلطان أن تجعل معلقة ففعلوا فولدت السلطان سنجر فسموا المدينة باسمه وكان ملكاً عظيماً كما قالوا‏.‏

وبقرب سنجار قصر عباس بن عمرو الغنوي والي مصر‏.‏

كان قصراً عجيب العمارة مطلاً على بساتين ومياه كثيرة من أطيب المواضع وأحسنها‏.‏

وكان بعد العباس ينزل بها الملوك لطيب مكانها وحسن عمارتها حكى عمران بن شاهين قال‏:‏ نزلنا بها مع معتمد الدولة قرواش بن يا قصر عبّاس بن عمروٍ كيف فارقك ابن عمرك قد كنت تغتال الدّهور فكيف غالك ريب دهرك واهاً لعزّك‏!‏ بل لجودك بل لمجدك بل لفخرك‏!‏ كتبه علي بن عبد الله بن حمدان بخطه سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وهو سيف الدولة ممدوح المتنبي وتحته مكتوب‏:‏ يا قصر ضعضعك الزّمان وحطّ من علياء قدرك ومحا محاسن أسطرٍ شرفت بهنّ متون جدرك واهاً لكاتبها الكريم وقدره الموفي بقدرك‏!‏ وكتبه الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وهو ناصر الدولة ابن أخي سيف الدولة وتحته مكتوب‏:‏ يا قصر ما فعل الأولى ضربوا قبابهم بعقرك‏!‏ أخنى الزّمان عليهم وطواهم تطويل نشرك‏!‏ واهاً لقاصر عمر من يحتال فيك وطول عمرك يا قصر أين ثوى الكرام السّاكنون قديم عصرك ولقد أطال تفجّعي يا ابن المسيّب رقم سطرك‏!‏ وعلمت أني لاحقٌ بك تابعٌ في صوب إثرك سهرورد بليدة بأرض الجبال بقرب زنجان‏.‏

ينسب إليها أبو الفتوح محمد بن يحيى الملقب بشهاب الدين وكان حكيماً عالماً تاركاً الدنيا صاحب العجائب والأمور الغريبة‏.‏

كان مرتاضاً منقطعاً عن الناس‏.‏

حكى بعض فقهاء قزوين قال‏:‏ نزلت برباط بأرض الروم في وقت الشتاء فسمعت صوت قراءة القرآن فقلت لخادم الرباط‏:‏ من هذا القاريء فقال‏:‏ شهاب الدين السهروردي‏.‏

قلت‏:‏ إني منذ مدة سمعت به وأردت أن أراه‏.‏

فأدخلني عليه فقال‏:‏ لا يدخل عليه أحد لكن إذا علت الشمس يخرج ويصعد السطح ويقعد في الشمس فأبصره‏!‏ قال‏:‏ فقعدت على طرف الصفة حتى خرج فرأيته عليه لباد أسود وعلى رأسه أيضاً قلنسوة من لباد أسود فقمت وسلمت عليه وعرفته أني قصدت زيارته وسألته أن يجلس معي ساعة على طرف الصفة فطوى مصلاي وجلس فجعلت أحدثه وهو في عالم آخر فقلت‏:‏ لو لبست شيئاً غير هذا اللباد‏!‏ فقال‏:‏ يتوسخ‏.‏

فقلت‏:‏ تغسله‏.‏

فقال‏:‏ يتوسخ‏.‏

فقلت‏:‏ تغسله‏.‏

فقال‏:‏ ما حييت لغسل الثياب لي شغل أهم من ذلك‏.‏

وكان معاصراً لفخر الدين الرازي جرى بينهما مباحثات ورأى فخر الدين بعد موته كتابه التلويحات في الحكمة فقبله‏.‏

وحكي انه كان جالساً على طرف بركة مع جمع فتحدثوا في معجزات الأنبياء فقال بعضهم‏:‏ فلق البحر أعجبها‏.‏

فقال الشهاب‏:‏ ليس ذلك شيئاً بالنسبة إلى معجزات الأنبياء‏.‏

وأشار إلى البركة فانشق الماء فيها نصفين حتى رأوا أرض البركة‏.‏

وحكي انه لما قبض عليه بحلب حبس في دار فرأوا مكتوباً على جائزة لا يوصل إليها إلا بالسلاليم‏:‏ بيت الظالم خراب ولو بعد حين‏!‏ وكان كذلك‏:‏ ذهب الملك عن الملك الظاهر عن قريب وخرب بيتهم‏.‏

 شاذياخ

اسم مدينة بخراسان على قرب نيسابور‏.‏

كانت بستاناً لعبد الله بن طاهر بن الحسين‏.‏

ذكر الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور أن عبد الله بن طاهر قدم نيسابور بعساكره فنزلوا في دور الناس غصباً فاتفق أن بعض أصحابه دخل دار رجل له زوجة حسناء وكان رجلاً غيوراً لا يفارق داره غيرةً على زوجته فقال له الجندي يوماً‏:‏ اذهب بفرسي واسقه ماء‏!‏ فلم يجسر على خلافه ولم يستطع مفارقة أهله فقال لزوجته‏:‏ اذهبي أنت بفرسه واسقيه حتى احفظ أنا أمتعتنا‏!‏ فمضت المرأة وكانت وضيئة حسناء فاتفق ركوب عبد الله بن طاهر فرأى المرأة تقود الفرس فقال لها‏:‏ ما شأنك لست أهلاً لهذا‏!‏ فقالت‏:‏ هذا فعل عبد الله بن طاهر‏!‏ فأخبرته الحال فغضب وحولق فأمر العرفاء في عسكره‏:‏ من بات بالمدينة حل ماله ودمه‏!‏ وسار إلى شاذياخ وبنى بها قصراً والجند كلهم بنوا بجنبه دوراً فعمرت وصارت أحسن الأماكن وأطيبها قال الشاعر‏:‏ فاشرب هنيئاً عليك التّاج مرتفقاً بالشّاذياخ ودع غمدان لليمن فأنت أولى بتاج الملك تلبسه من ابن هوذة فيها وابن ذي يزن فلما استولى الغز على خراسان في عهد سنجر بن ملكشاه سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وخربوا نيسابور وأحرقوها انتقل من بقي منهم إلى شاذياخ وعمروها حتى صارت أحسن بلاد الله وأطيبها وكانت ذات سور حصين وخندق وكثرة خلق إلى سنة ثمان عشرة وستمائة استولى عليها التتر وخربوها فإنا لله وإنا إليه راجعون‏!‏ قلعة حصينة كانت على قلة جبل بقرب أصفهان بناها السلطان ملكشاه ابن ألب ارسلان سنة خمس مائة‏.‏

وسبب بنائها أن رجلاً من بطارقة الروم جاء إلى السلطان وأسلم وصار من مقربيه وكان معه يوماً في الاصطياد فهرب منهم كلب حسن الصيد وصعد هذا الجبل فتبعه السلطان والبطريق فقال للسلطان‏:‏ لو كان مثل هذا الجبل عندنا لاتخذنا عليه معقلاً وانتفعنا به ‏!‏ فأمر السلطان أن يبنى عليه قلعة فمنعه نظام الملك فلم يقبل قوله فبنوا عليه قلعة في غاية الحصانة لا حيلة في استخلاصها‏.‏

ففرح السلطان به وجعل كوتواله بعض من كان من خواص السلطان أميراً معتبراً وكان ابن عطاش أحمد بن عبد الملك معلماً لوشاقية هذا الأمير وهو داع من دعاة الباطنية حمله الأمير معه إلى القلعة‏.‏

فلما استقر فيها دعا القوم إلى مذهب الباطنية فأجابوه وبعث الدعاة إلى أصفهان فأجابه من أصفهان أيضاً خلق كثير‏.‏

فلما علم نظام الملك ذلك قال للسلطان‏:‏ منعتك عن بناء القلعة فما قبلت والآن أقول استدرك أمر هذا الملحد وإلا يفضي إلى فساد لا يمكن دفعه‏!‏ فنزل السلطان على القلعة وحاصرها سبع سنين حتى استخلصها وأنزل ابن عطاش منها وكان عالماً بعلم النجوم وقد أركبوه على جمل وأدخلوه في أصفهان واستقبله جميع أهل أصفهان بالطبول والبوقات والدفوف والمساخرة يرقصون قدامه والعوام يرمونه بالأبعار والأقذار قيل له‏:‏ ما رأيت هذا في طالعك قال‏:‏ رأيت في طالعي ارتقاء لكن ما رأيت انه يكون على هذا الوجه‏!‏ وصلب في أصفهان وكفي شره فقالوا للسلطان‏:‏ قلعة دل عليها كلب وأشار إلى عمارتها كافر وملكها ملحد لا يرجى منها الخير‏!‏ فأمر بخرابها‏.‏

 شكمبة

بليدة من ناحية دنباوند كثيرة المزارع والبساتين والثمار والأعناب‏.‏

وهي أشد تلك النواحي برداً يضرب أهل جرجان وطبرستان بقاضيها المثل في تشويش الصورة واضطراب الحلقة فإذا رأوا أحداً كريه الصورة قالوا‏:‏ مثل قاضي شكمبة‏!‏ قال قائلهم‏:‏ رأيت رأساً كدبّةٍ ولحيةً كمذبّه فقلت‏:‏ ذا التّيس من هو فقال‏:‏ قاضي شكمبه‏!‏ شهرزور كورة واسعة في الجبال بين اربل وهمذان‏.‏

بها قرى ومدن‏.‏

أهلها أكراد قطاع الطريق قال مسعر بن مهلهل‏:‏ بلدهم ينشيء ستين ألف بيت من الأكراد وقصبتها دزدان‏.‏

وكانت مدينة ذات سور عريض عال حتى تركض الخيل على سورها لسعته وكان رئيسها عاصياً على السلاطين قال‏:‏ وكنت أنظر إلى رئيسها وهو جالس على برج مبني على بابها عال ينظر إلى عدة فراسخ وبيده سيف مجرد فمتى رأى خيلاً من بعض الجهات لمع بسيفه‏.‏

فانجفلت المواشي والقوافل إلى المدينة وقالوا‏:‏ انها مدينة منصورة ممتنعة عمن يرومها‏.‏

دعا لها داود وسليمان عليهما السلام‏.‏

ينسب إليها طالوت الذي بعثه الله تعالى ملكاً إلى بني إسرائيل فقالوا‏:‏ أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه والمتغلبون عليها إلى اليوم يزعمون أنهم من ولد طالوت‏.‏

وهي مخصوصة بقلة رمد العين والجدري هذا آخر كلام مسعر‏.‏

وبها جبل ينبت حب الزلم الصالح لأدوية الباه لم يعرف في مكان غيره‏.‏

وبها نوع من الكرم يأتي سنة بالعنب وسنة بثمرة شبيهة بالجزر شديدة الحمرة أسود الرأس يقولون له الودع‏.‏

وبها عقارب قتالة أضر من عقارب نصيبين‏.‏

 شهرستان

مدينة بخراسان بين نيسابور وخوارزم على طرف بادية الرمل‏.‏

وبساتينها ومزارعها بعيدة عنها والرمال متصلة بها لا تزال تسف‏.‏

ولها وقف على رجال وثيران ينحون الرمل عنها أبداً‏.‏

وربما يغشاها في يوم واحد أضعاف ما ينحون عنها زماناً طويلاً والناس ينظرون إليه وهو وينسب إليها الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل وكان رجلاً فاضلاً متكلماً ويزعم أنه انتهى إلى مقام الحيرة وهو القائل‏:‏ لقد طفت في تلك المعاهد كلّها وصيّرت طرفي بيت تلك المعالم فلم أر إلاّ واضعاً كفّ حائرٍ على ذقنٍ أو قارعاً سنّ نادم‏!‏ شيز مدينة بآذربيجان بين المراغة وزنجان قال مسعر بن مهلهل‏:‏ بها معدن الذهب والفضة والزئبق والزرنيخ الأصفر والاسرب‏.‏

ولها سور محيط بها‏.‏

وفي وسطها بحيرة لا يدرك قعرها‏.‏

وإني أرسيت فيه أربعة عشر ألف ذراع وكسوراً من ألف ما استقر واستدارتها نحو جريب بالهاشمي‏.‏

ومتى بل بمائها تراب صار لوقته حجراً صلداً‏.‏

بها بيت نار عظيم الشأن عند المجوس منها تذكى نيران المجوس من المشرق إلى المغرب وعلى رأس قبته هلال فضة قيل هو طلسم حاول كثير من المتغلبين قلعه فلم يقدروا‏.‏

ومن عجائب هذا البيت انهم يوقدون منه منذ سبعمائة سنة فلا يوجد فيه رماد البتة ولا ينقطع الوقود عنه ساعة من الزمان‏.‏ومن عجائب هذه المدينة انه إذا قصدها عدو ونصب المنجنيق عليها فإن حجر المنجنيق يقع خارج السور ولا يصل إليه وإن كان يرمى إليه من مسافة ذراع‏.‏

إلى ههنا كلام مسعر وكان رجلاً سياحاً طاف البلاد ورأى عجائبها وأكثر عجائب البلدان منقول منه‏.‏

وحكى غير مسعر أن بالشيز نار اذرخس وهي نار عظيمة عند المجوس كان إذا الملك منهم زارها أتاها راجلاً‏.‏

وينسب إليها زرادشت نبي المجوس قيل‏:‏ انه كان من شيز ذهب إلى جبل سبلان معتزلاً عن الناس وأتى بكتاب اسمه باستا وهو بالعجمية لم يفهم معناه إلا من المفسر‏.‏

وأتى يدعي النبوة في عهد كشتاسف بن لهراسف ابن كيخسروا ملك الفرس واراد الوصول إليه فلم يتمكن من ذلك وكان كشتاسف جالساً في ايوان فانشق سقف الإيوان ونزل زرادشت منه والناس الذين كانوا عند الملك ما بين هارب ومغشي عليه والملك ما تحرك عن مكانه وقال له‏:‏ من أنت فقال زرادشت‏:‏ إني رسول الله إليكم‏!‏ فقال الملك‏:‏ نحن وإن رأينا هذا العجب يعني النزول من السقف لكن لا نقتصر على ذلك بل عندنا علماء وحكماء يناظرونك فإن شهدوا لك الحق اتبعناك‏!‏ فرضي زرادشت به وأمر الملك العلماء والحكماء في ذلك الزمان أن يسمعوا كلامه ويعرفوا الملك‏.‏

فسمعوا كلامه وقالوا للملك‏:‏ سمعنا كلامه وانه مستقيم ولم يبق إلا شيء واحد وهو طلب معجزة على نبوته فقالوا‏:‏ اخترنا أن نطلي بدنه بما أردنا من الأدوية ونأخذ شيئاً من النحاس المذاب ونشد وثاقه ونصب ذلك القطر عليه فإن تلف فقد كفينا أمره وإن سلم من ذلك فيجب علينا متابعته‏.‏

فرضي زرادشت بذلك واختار الملك هذا الرأي فعروه وشدوا وثاقه وصبوا عليه قطراً فصار القطر كرات وتشبثت بكل شعرة كرة وما ضربه شيء ومع المجوس من تلك الكرات يتبركون بها‏.‏

فعند ذلك قالوا‏:‏ لم يبق إلا إجابة دعوته‏!‏ فأمر في جميع مملكة كشتاسف ببناء بيوت النار وجعل النار قبلةً لا إلهاً وبقيت تلك الملة إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والآن يقولون بأرض سجستان منها بقية‏.‏

صيمرة كورة بها عدة قرى من أعمال البصرة على فم نهر معقل‏.‏

أهلها موصوفون بقلة العقل حتى جاءهم رجل يقال له ابن شاس في حدود سنة خمسين وأربعمائة وادعى أنه إله فعبدوه‏!‏ ينسب إليها أبو العنبس وهو محمد بن إسحق كان شاعراً أديباً ظريفاً ذا تصانيف في الهزل والنزهات وقد حظي بذلك عند المتوكل‏.‏

حكي أنه مات له حمار فحزن عليه ورثاه بمرثية وقال‏:‏ رأيته في النوم قلت‏:‏ يا حماري‏!‏ أما أحسنت علفك وماءك فقال‏:‏ ما مت إلا في وحكي أن البحتري دخل على المتوكل وأنشد قصيدته في مدحه وقال في مطلعها‏:‏ عن أيّ ثغرٍ تبتسم وبأيّ طرفٍ تحتكم فقال أبو العنبس‏:‏ عن أيّ سلحٍ تلتقم وبأيّ كفٍّ تلتطم فقال‏:‏ حسنٌ يضنّ بحسنه والحسن أشبه بالكرم فقال أبو العنبس‏:‏ نهمٌ يفوه بهجوه والصّفع أليق بالنّهم فقال البحتري‏:‏ انتقلت إلى مدح الخليفة وتركت النسيب لعله يسكت فقلت‏:‏ قل للخليفة أيّها المتوكّل بن المعتصم فقال أبو العنبس‏:‏ قل للمماليك الضّخام وذي النّشاط من الخدم‏!‏ قال البحتري‏:‏ فالتفت يميناً وشمالاً حتى أرى هل ينكر عليه أحد فما رأيت إلا مبتسماً فعلمت إن أنشدت زيادة يأتي بزيادة شتم وهتك فسكت وخرجت فلما رآه أبو العنبس قال‏:‏ فضحك الخليفة والحاضرون وأمر لأبي العنبس بألف دينار فقال الفتح بن خاقان‏:‏ يا أمير المؤمنين والبحتري أنشد وشوتم وصفع يرجع بخفي حنين فأمر له أيضاً بألف دينار‏.‏

ومن شعر أبي العنبس‏:‏ كم مريضٍ قد عاش من بعد موت الطّبيب والعوّاد قد يصاد القطا فينجو سليماً ويحلّ القضاء بالصّيّاد‏!‏ طالقان كورة ذات قرى بقهستان بين قزوين وجيلان في جبال الديلم‏.‏

في جبالهم الزيتون والرمان يجلب إلى قزوين منها الزيتون وحب الرمان الكثير‏.‏

ينسب إليها أبو الخير أحمد بن إسماعيل الملقب برضى الدين‏.‏

كان عالماً فاضلاً ورعاً صاحب كرامات‏.‏

حكي انه كان في بدء أمره يتفقه فأستاذه يلقنه الدرس ويكرر عليه مراراً حتى يحفظه فما حفظ حتى ضجر الأستاذ وتركه لبلادته فانكسر هو من ذلك ونام الأستاذ فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له‏:‏ لم آذيت أحمد قال‏:‏ فانتبهت وقلت‏:‏ تعال يا رضى الدين حتى ألقنك‏!‏ فقال‏:‏ بشفاعة النبي تلقنني‏!‏ ففتح الله تعالى عليه باب الذكاء حتى صار أوحد زمانه علماً وورعاً ودرس بالمدرسة النظامية ببغداد مدة وأراد الرجوع إلى قزوين فما مكنوه فاستأذن للحج وعاد إلى قزوين بطريق الشام‏.‏

وكان له بقزوين قبول ما كان لأحد قبله ولا بعده‏.‏

يوم وعظه يأتي الناس بالضوء حتى يحصلوا المكان ويشتري الغني المكان من الفقير الذي جاء قبله وما سمعوا منه يروونه عنه كما كانت الصحابة تروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكي أن الشيخ كثيراً ما كان يتعرض للشيعة وكان على باب داره شجرة عظيمة ملتفة الأغصان فإذا في بعض الأيام رأوا رجلاً على ذلك الشجر فإذا هو من محلة الشيعة قالوا‏:‏ ان هذا جاء لتعرض الشيخ‏!‏ فهرب الرجل وقال الشيخ‏:‏ لست أقيم في قزوين بعد هذا‏!‏ وخرج من المدينة فخرج بخروجه كل أهل المدينة والملك أيضاً‏.‏

فقال‏:‏ لست أعود إلا بشرط أن تأخذ مكواة عليها اسم أبي بكر وعمر وتكوي بها جباه جمع من أعيان الشيعة الذين أعين عليهم‏.‏

فقبل منه ذلك وفعل فكان أولئك يأتون والعمائم إلى أعينهم حتى لا يرى الناس الكي‏.‏

وحكى الشيخ عز الدين محمد بن عبد الرحمن الوارني وكان من المشايخ الكبار بقزوين أن الشيخ عقد المجلس يوم الجمعة أول النهار الثاني عشر من المحرم سنة تسعين وخمسمائة وذكر تفسير قوله تعالى‏:‏ واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله وان النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش بعد ذلك إلا سبعة أيام وكان ذلك تعريضاً ينعى نفسه فرجع إلى بيته محموماً وبقي سبعة أيام ورفع نعشه في اليوم الثامن‏.‏

ولما بلغوا به الوادي قرب تربته أنار الله تعالى من فضله عليه ورحمته له آيات بينات وأمارات واضحات أنواراً متلألئة وأضوا متضاعفة وألواناً غريبة في السماء ولقد عددت النور الساطع والوميض المتلأليء في سبعة مواضع من الهواء‏.‏

وعند ذلك صار الخلق حيارى مبهوتين ودمعت العيون ووجلت القلوب وضجت الأصوات والخلق بين ساجد وممرغ في التراب خده لا يستطيع المتحرك سكوناً ولا الساكن حراكاً إلى أن وضع في لحده فعادت السماء إلى حالها وعاد الهواء لهيئته وما ذلك بعجيب من لطف الله تعالى بأرباب العلوم وأصحاب الديانات عليه رحمة الله ورضوانه‏.‏

الطاهرية قرية من قرى بغداد‏.‏

بها مستنقع يجتمع فيه في كل سنة ماء كثير عند زيادة دجلة فيظهر فيه السمك المعروف بالبني فيضمنه السلطان بمال وافر‏.‏

ولسمكه فضل على سائر السمك لطيب لحمه وانه غلة من حاصل هذه القرية مع سائر غلاتها والله الموفق‏.‏

 طبرستان

بلاد معروفة والعجم يقولون مازندران وهي بين الري وقومس وبحر الخزر‏.‏

أرضها كثيرة الأشجار والمياه والأنهار إلا أن هواءها وخم جداً‏.‏

حكي أن بعض الأكاسرة اجتمع في حبسه جناة كثيرون فقال وزيره‏:‏ غربهم إلى بعض البلاد ليعمروها فإن عمروها كان العمران لك وانتلفوا برئت من دمهم‏!‏ واختار أرض طبرستان وهي يومئذ جبال وأشجار فأرادوا قطع الأشجار فطلبوا فؤوساً والفأس بالعجمية تبر فكثرت بها الفؤوس فقالوا‏:‏ طبرستان وطبر معرب تبر‏.‏

وقالوا‏:‏ كانت أيمانهم مغلولة فكانوا يعملون بشمالهم فلهذا ترى فيها أكثرهم عسراً‏.‏

ونفوا الفواجر أيضاً إليها فتزوجوا بهن فلهذا قلة الغيرة بينهم‏.‏

وأكثرهم يتعانون تربية دود القز فيرتفع منها الابريسم الكثير ويحمل إلى سائر البلاد‏.‏

وبها الخشب الخلنج يتخذ منه الظروف والآلات والأطباق والقصاع ثم يحمل إلى الري وصناع بلد الري يجعلونه في الخرط مرة أخرى حتى يبقى لطيفاً ويزوقونه ومن الري يحمل إلى سائر البلاد ومن هذا الخشب تتخذ النشاشيب الجيدة‏.‏

وبها المآزر والمناديل الرفيعة الطبرية تحمل منها إلى سائر البلاد وكذلك الثياب الابريسمية والأكسية والصوف‏.‏

وبها شجر إذا ألقيت شيئاً من خشبها في الماء يموت ما فيه من السمك وتطفو‏.‏

وبها جبل طارق قال أبو الريحان الخوارزمي‏:‏ بطبرستان جبل فيه مغارة فيها دكة تعرف بدكان سليمان بن داود عليه السلام إذا لطخت بشيء من الأقذار انفتحت السماء ومطرت حتى تزيل الأقذار منها هذا في الآثار الباقية من تصانيف أبي الريحان الخوارزمي‏.‏

وقال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بها حشيش يسمى جوز ماثل من قطعه ضاحكاً وأكله غلب عليه الضحك ومن قطعه باكياً وأكله في تلك الحالة يغلب عليه البكاء ومن قطعه راقصاً وأكله كذلك على كل حال قطعه وأكله تغلب عليه تلك الحالة‏.‏

حكى أبو الريحان الخوارزمي أن أهل طبرستان أجدبوا في أيام الحسن ابن زيد العلوي فخرجوا للاستسقاء فما فرغوا من دعائهم حتى وقع الحريق في أطراف البلد وبيوتهم من الخشب اليابس فقال أبو عمر في ذلك‏:‏ خرجوا يسألون صوب غمامٍ فأجيبوا بصيّبٍ من حريق‏!‏ جاءهم ضدّ ما تمنّوه إذ جاءت قلوبٌ محشوّةٌ بالفسوق‏!‏ وحكى الشيخ الصالح محمد الهمداني قال‏:‏ رأيت بطبرستان أمراً عجيباً من الأمور وهو‏:‏ شاهدت بطبرستان دودة إذا وطئها من كان حامل ماء صار الماء مراً وأعجب من هذا انه لو كان خلف الواطيء حمال الماء صار كل المياه مراً ولو كانوا مائة فترى نساءهم يحملن الماء من النهر في الجرار وقدامهن واحدة معها مكنسة تكنس الطريق والنساء الحاملات للماء يمشين وحكى علي بن رزين الطبري وكان حكيماً فاضلاً قال‏:‏ عندنا طائر يسمونه ككو وهو على حجم الفاختة وذنبه ذنب الببغاء يظهر أيام الربيع فإذا ظهر نبعه صنف من العصافير موشاة الريش يخدمه طول نهاره يأتي له بالغداء فيزقه فإذا كان آخر النهار وثب على ذلك العصفور وأكله وإذا أصبح صاح فجاء آخر فإذا أمسى أكله فلا يزال كذلك مدة أيام الربيع فإذا زال الربيع فقد ذلك النوع واتباعه إلى الربيع القابل‏.‏

وينسب إليها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ الطبري والمصنفات الكثيرة وكان كثيراً ما ينشد‏:‏ أاقتبس الضّياء من الضّراب وألتمس الشّراب من الشراب أريد من الزّمان النّذل بذلاً وأرياً من جنى سلعٍ وصاب‏!‏ أأرجو أن ألاقي لاشتياقي خيار النّاس في زمن الكلاب وينسب إليها أبو الحسن المعروف بالكيا الهراسي‏.‏

كان عالماً فاضلاً تالي أبي حامد الغزالي إلا أن الغزالي أثقب منه ذهناً وأسرع بياناً وأصوب خاطراً‏.‏

كان مدرساً بالمدرسة النظامية ببغداد دخل ديوان الخليفة والقاضي أبو الحسن اللمغاني كان حاضراً ما قام له فشكا إلى الخليفة الناصر لدين الله فقال الخليفة‏:‏ إذا دخل القاضي أنت أيضاً لا تقم له‏!‏ ففعل ذلك ونظم حجابٌ وحجّابٌ وفرط حماقةٍ ومدّ يدٍ نحو العلى بالتّكلّف فلو كان هذا من وراء تكلّفٍ لهان ولكن من وراء التّخلّف فشكا القاضي إلى الخليفة فأمر الكيا أن يمشي إليه ويعتذر فقال الكيا‏:‏ والله لأمشين على وجه يود لو كنت لم أمش‏!‏ فلما وصل إلى باب دار القاضي أخبر القاضي بأن الكيا جاء إليه فقام واستقبله وواجهه بالكلية‏.‏

قال الكيا‏:‏ حفظ الله الخليفة فإنه تارة يشرفنا وتارة يشرف بنا‏!‏ فانكسر ابن اللمغاني انكساراً شديداً‏.‏

فلما مات الكيا وقف ابن اللمغاني عند دفنه وقال‏:‏ فما تغني النّوادب والبواكي وقد أصبحت مثل حديث أمس‏!‏ ومن عجائب ما حكي أن بعض السلاطين غضب على صاحب طبرستان فبذل الطبري جهده في إزالة ذلك فما أمكنه‏.‏

فبعث السلطان إليه جيشاً كثيفاً فعلم الطبري أن الجيش لا ينزلون إلا بغيضة معينة تحت جبل فأمر بقطع أشجار تلك الغيضة وتركها كما كانت قائمة وستر موضع القطع بالتراب‏.‏

فلما وصل الجيش ونزلوا بها كمن الطبري هو وأصحابه خلف ذلك الجبل وشد الجيش دوابهم في أشجار تلك الغيضة وكانت كلها مقطوعة فخرج عليهم الطبري بأصحابه وصاح بهم فنفرت الدواب وتساقطت الأشجار لأن الدواب جرتها فولى الجند هاربين فزعين لا يلوي أحد إلى أحد وتبعهم الطبري بالقتل والأسر فنجا أقلهم وتلف أكثرهم‏.‏

فلما رجعوا إلى السلطان سألهم عن شأنهم فقالوا‏:‏ نزلنا بالموضع الفلاني أتانا في جنح الليل جند من الشياطين تضربنا بالأشجار الطويلة‏!‏ فلم يجسر أحد من المتقومين بعد ذلك على المشي إلى طبرستان‏!‏ طبس مدينة بين أصفهان ونيسابور مشهورة‏.‏

ينسب إليها فخر الأئمة أبو الفضل محمد بن أحمد الطبسي صاحب كتاب الشامل في تسخير الجن‏.‏

وهو كتاب كبير يذكر فيه كيفية تسخير الجن ولكل واحد من رؤسائهم طريق من الطرق يذكر في ذلك الكتاب وحاصله أنه يذكر عزائم وشرائطها ويقول‏:‏ من أتى بها على هذا الوجه سلط الله تعالى عليهم ناراً تحرقهم ولا يندفع عنهم إلا بالإجابة‏.‏

وذكروا أن الجن كانوا مسرين لفخر الأئمة وكان هو معاصراً للإمام الغزالي قال له‏:‏ أريد أن تعرض الجن علي‏!‏ فأجابه إلى ذلك قال الغزالي‏:‏ رأيتهم مثل الظل على الحائط‏.‏

فقلت له‏:‏ إني أريد أن أحادثهم وأسمع كلامهم‏.‏

فقال‏:‏ أنت لا تقدر ترى منهم أكثر من ذلك‏.‏وينسب إليها شمس الطبسي الشاعر‏.‏

كان شاباً حسن الصورة حلو الكلام جيد الشعر من تلامذة الشيخ رضى الدين النيسابوري وكان معاصر الخاقاني فرأى شعر الخاقاني وسلك ذلك المسلك إلا أن شعر الشمس كان ألطف وأعذب فقال له رضى الدين‏:‏ داوم على هذا الفن فإنه يجيء منك وترى منه الخير‏.‏

وله أشعار في غاية الحسن وأسلوب هو منفرد به‏.‏

وكان قاضي مدينة بخارى صدر الشريعة شاعراً مفلقاً عديم النظير نظم قصيدة حسنة قافيتها ضيقة بالعجمية وهذا مطلعها‏:‏ بر خير كه شمعست وشرابست ومن تو اواز خروسان سحر خاست زهر سو بر خير كه برخاست بياله بيكي باي بنشين كه نشستست صراحي بد وزانو بر خير اران بيس كه معشوقه شب را باروز بكيرند وببرند دو كيسو واين قصيده در بخارى مشهور كست همه معترف شدند بخوى آن شمس طبس مثل اين قصيده بكفت وهذا مطلعها‏:‏ ازروى تو جون كرد صبا طره بيكسو فرياد براورد شب غاليه كيسو از زلف سياه تو مكر شد كرهي باز كر مشك براورد صبا تعبيه هر سو اخر دل رنجور مرا جند براري زنجير كشان تا بسرطاق دوابرو فلما عرف صدر الشريعة بهذه القصيدة نادى‏:‏ من قائلها وما كان يقدر أن يقول شيئاً لأنها كانت في مدح وزير بخارى‏.‏

وسمعت انه كان شاباً مثل القمر‏.‏

مات فجأة وديوانه صغير لأنه ما وجد العمر‏.‏

طرابلس مدينة على شاطيء بحر الروم عامرة كثيرة الخيرات والثمرات لها سور منحوت من الصخر وبساتين جليلة ورباطات كثيرة يأوي إليها الصالحون‏.‏

بها مسجد الشعاب وهو مسجد مشهور مقصود يأتيه الناس لبركته واحترامه‏.‏

وبها بئر الكنود وهي بئر زعموا أن من شرب من مائها يتحمق فإذا أتى رجل من أهل طرابلس بما يلام عليه يقولون له‏:‏ لا نعيبك فإنك شربت من بئر الكنود‏!‏ طرق مدينة بقرب أصفهان‏.‏

لأهلها يد باسطة في الآلات المستظرفة من العاج والآبنوس يحمل منها إلى سائر البلاد كل آلة ظريفة يعجز عن مثلها صناع غيرها من البلاد‏.‏

ينسب إليها تاج الطرقي‏.‏

كان أديباً شاعراً ظريفاً‏.‏

له حكايات عجيبة وأشعار فصيحة مثل إذا ما رآني العاذلون وغرّدت حمائم دوحٍ أيقظتها النّسائم يقولون‏:‏ مجنونٌ جفته سلاسلٌ وممسوس حيٍّ فارقته التّمائم فتعجب من ذلك وقال‏:‏ ما ظننت أن أحداً من العجم يوصل كلامه إلى هذا الحد‏!‏ فبعث إليه خلعة سوداء فوصل إليه خلعة الخليفة بغتةً فجأة فلبسها وعمل قصيدة طويلة في مدح الخليفة وبعثها إلى بغداد مطلعها‏:‏ ترتاح أندية النّدى والباس في مدح مولانا أبي العبّاس وحكي انه سافر إلى همذان وكان ابن قاضي قزوين ورئيسها بهمذان فسمع أن تاجاً الطرقي وصل فأحب أن يراه لأنه كان مشهوراً بالفضل فقيل انه ذهب إلى دار الكتب فمشى إليه فوجده يطالع كتاباً فسلم عليه فقال‏:‏ عليك السلام‏!‏ وما تحرك له ولا نظر إليه‏.‏

وإنه كان رجلاً ذا هيئة وجثة وغلمان ومماليك واشتغل بمطالعة الكتاب فتأذى الرجل من ذلك وقال من أذيته‏:‏ تاج الدين ما تعرفني قال‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ أنا رجل من أعيان قزوين ذو أمر ونهي وقطع ووصل فقال‏:‏ مدينتكم لا يكون لها شحنة قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فلم لا يصلبنك فقام الرجل وقال‏:‏ تسمع بالمعيدي خير من أن تراه‏!‏ وحكي انه كان في دار وحده فقام في جنح الليل ينادي‏:‏ اللص‏!‏ اللص‏!‏ فاجتمع الجيران فإذا الأبواب والاغلاق بحالها والدار فقالوا له‏:‏ أين اللص فقال‏:‏ إني سمعت أن اللصوص إذا دخلوا بيوت الناس شدوا قطاع اللباد على أقدامهم لئلا يسمع دبيبهم وإني لما انتبهت ما سمعت شيئاً من الدبيب قلت‏:‏ لعل اللص دخل وشد على رجله اللباد‏!‏ وله حكايات مثل هذه رحمه الله‏.‏

طرزك قرية من قرى قزوين مشهورة‏.‏

حكي أن بعض الصلحاء رأى في نومه أو في واقعة أن هناك صحابياً وما كان بها قبر ولا عرف أحد ذلك فلما كشفوا إذا رجل طويل القامة عليه درع والدم ينزف من جراحته فبنوا عليه مشهداً واشتهر بين الناس أن الدعاء فيه مستجاب فصار مقصوداً يقصده الناس من الأطراف كلها‏.‏

وحدثني أبي رحمة الله عليه انه ذهب إليه زائراً وقدام المشهد مسجد قال‏:‏ فتركت الدابة مع الغلام ودخلت المسجد أصلي وفرشت مصلاي في المحراب قال‏:‏ فرفعت رأسي من السجود فرأيت على مصلاي رمانة كبيرة طرية كأنها قطعت من شجرها في الحال وشجرها لا ينبت بأرض قوين ونواحيها وإنما يجلب إليها من الري وكان الوقت صيفاً لا يوجد الرمان في شيء من البلاد أصلاً قال‏:‏ فلما فرغت من الزيارة خرجت وقلت للغلام‏:‏ هل دخل المسجد أحد قال‏:‏ لا‏.‏

قلت‏:‏ هل خرج منه أحد قال‏:‏ لا‏.‏

فتعجبت والرمانة معي حتى وصلت إلى ضيعتنا وطروز كان على طريقي والرمانة بعد معي فعرضتها على أخي وجمع كانوا هناك فتعجبوا منه فتركتها مع رحلي ومضيت لحاجة وعدت فما رأيتها فسألت غلامي عنها فقال‏:‏ لا علم لي بها‏!‏ ومر على ذلك مدة حتى كنت في بعض أسفاري وحدي فإذا أنا برجل شيخ طويل القامة كث اللحية يناديني‏:‏ يا محمد‏!‏ ما صنعت بتلك الرمانة فقصدت نحوه لأتبرك به فغاب عن عيني ولم أدر أين ذهب عليه رحمة الله‏.‏

 طروز

قرية كبيرة من قرى قزوين غناء كثيرة المياه والأشجار والبساتين والثمار‏.‏

ولطيبها ونزاهتها اتخذها أتراك العجم مماليك السلاطين مسكناً وبنوا بها قصوراً وتوالدوا وتناسلوا هناك فمن دخلها تحير فيها من كثرة خيراتها وفواكهها وثمارها وحسن عمارتها وطيب هوائها وحسن صور أهلها فكأن فيها من أولاد الأتراك صوراً مليحة ووجوهاً صبيحة فمن دخلها ما أراد الخروج عنها وكان الأمر على ذلك إلى ورود التتر‏.‏مدينة مشهورة كبيرة من بلاد الترك ذات قرى كثيرة وقراها بين جبلين في مضيق لا سبيل إليها إلا من ذلك المضيق ولا يمكن دخولها لو منع مانع فلا يتعرض لها أحد من ملوك الترك لعلمهم بأن قصدها غير مفيد وسلطانها ذو قدر ومكانة عند ملوك الترك‏.‏

بها معادن الذهب فلذلك كثر الذهب عندهم حتى اتخذوا منه الظروف والأواني‏.‏

وأهلها زعر لا شعر على جسدهم ورجالهم ونساؤهم على السواء في ذلك‏.‏

وفي نسائها خاصية عجيبة وهي أنهن يوجدن كل مرة عند غشيانهن أبكاراً‏.‏

وحكى بعض التجار أنه اشترى جارية تركية وجدها كذلك‏.‏

وحكى الأمير أبو المؤيد بن النعمان أنه بها عينان‏:‏ إحداهما عذب والأخرى ملح وهما تنصبان إلى حوض وتمتزجان فيه ويمتد من الحوض ساقيتان‏:‏ إحداهما عذب ولا ملوحة فيه والأخرى ملح‏.‏

وذكر انه من كرامات رجل صالح اسمه مليح الملاح وصل إلى تلك الديار ودعا أهلها إلى الإسلام وظهر من كراماته أمر هذا الحوض والسواقي فأسلم بعض أهلها وهم على الإسلام إلى الآن‏.‏

 طوس

مدينة بخراسان بقرب نيسابور مشهورة ذات قرى ومياه وأشجار والمدينة تشتمل على محلتين يقال لإحداهما طابران والأخرى نوقان‏.‏

وفي جبالها معادن الفيروزج وينحت منها القدور البرام وغيرها من الآلات والظروف حتى قال بعضهم‏:‏ قد ألان الله لأهل طوس الحجر كما ألان لداود عليه السلام الحديد‏.‏

منها جمع عقم الزمان بمثلهم ممن ينسب إليها الوزير نظام الملك الحسن ابن علي بن إسحق لم ير وزير أرفع منه قدراً ولا أكثر منه خيراً ولا أثقب منه رأياً‏.‏

وكان مؤيداً من عند الله‏.‏

حكي أن قيصر الروم جاء لقتال السلطان الب أرسلان فقال السلطان لنظام الملك‏:‏ ماذا ترى يقولون عسكره أكثر من عسكرنا‏!‏ فقال نظام الملك‏:‏ ليس النصر من الكثرة إنما النصر من عند الله نحن نتوكل على الله ونلتقيه يوم الجمعة وقت تقول الخطباء على المنابر‏:‏ اللهم انصر جيوش المسلمين‏!‏ ففعلوا ذلك فنصرهم الله‏.‏

وحكي أن السلطان الب أرسلان دخل مدينة نيسابور فاجتاز على باب مسجد فرأى جمعاً من الفقهاء على باب ذلك المسجد في ثياب رثة لا خدموا للسلطان ولا دعوا له فسأل السلطان نظام الملك عنهم فقال‏:‏ هؤلاء طلبة العلم وهم أشرف الناس نفساً لا حظ لهم من الدنيا ويشهد زيهم على فقرهم‏.‏

فأحس بأن قلب السلطان لان لهم فعند ذلك قال‏:‏ لو أذن السلطان بنيت لهم موضعاً وأجريت لهم رزقاً ليشتغلوا بطلب العلم ودعاء دولة السلطان‏!‏ فأذن له فأمر نظام الملك ببناء المدارس في جميع مملكة السلطان وأن يصرف عشر مال السلطان الذي هو مختص بالوزير في بناء المدارس وهو أول من سن هذه السنة الحسنة‏.‏

وحكى نظام الملك في كتابه سير الملوك أن بعض المفسدين قال للسلطان ملكشاه‏:‏ ان في معيشك أربعمائة ألف فارس وأمر المملكة يتمشى بسبعين ألفاً فإن سبعين ألفاً لم يغلبوا من القلة فلو أسقطتهم امتلأت الخزانة من المال‏!‏ ومال السلطان إلى قوله فلما عرفت ذلك قلت للسلطان‏:‏ هذا قول من أراد اثارة الفتنة وفساد المملكة‏!‏ إن ملكك خراسان وما وراء النهر إلى كاشغر من غور وخوارزم واللان واران وآذربيجان والجبال والعراق وفارس وكرمان والشام وارمن وأنطاكية وانها إنما تبقى محفوظة بهذه العساكر ولم يذكر أن دولة الخلفاء العظام والملوك الكبار قد خلت من خروج خارجي وظهور مخالف وهذه الدولة المباركة بسعادة السلطان سلمت عن الكدورات فلو كانت العساكر ثمانمائة ألف لكانت السند والهند والصين ومصر والبربر والحبشة والروم أيضاً في طاعتنا‏.‏

ثم ان السلطان ان أثبت سبعين ألفاً وأسقط ثلاثمائة وثلاثين ألفاً فالساقطون ليسوا أصحاب حرف يشتغلون بصنعتهم يجتمعون على يد واحد ويدخلون تحت طاعته فنشأ من ذلك فساد عظيم ويكون الخصم في ثلاثمائة وثلاثين ألفاً ونحن في سبعين ألفاً فتمشي الأموال وتهلك ويكون ذلك نتيجة نصيحة هذا الناصح الذي ينصح بجمع الأموال وتفريق الرجال‏.‏

وحكي انه كان شديد التعصب على الباطنية وقد خرج من أصفهان وبه عقابيل المرض في العمارية‏.‏

فلما وصل إلى قرية من قرى نهاوند يقال لها قيدسجان تعرض له رجل ونادى‏:‏ مظلوم‏!‏ مظلوم‏!‏ فقال الوزير‏:‏ ابصروا ما ظلامته‏.‏

فقال‏:‏ معي رقعة أريد أسلمها إلى الوزير ‏!‏ فلما دنا منه وثب عليه وضربه بالسكين وكانت ليلة الجمعة الحادي والعشرين من رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة فحمل إلى أصفهان ودفن في مدرسته‏.‏

وينسب إليها الإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي‏.‏

لم تر العيون مثله لساناً وبياناً وخاطراً وذكاء وعلماً وعملاً‏.‏

فاق أقرانه من تلامذة إمام الحرمين وصار في أيام إمام الحرمين مفيداً مصنفاً وإمام الحرمين يظهر التبجح به‏.‏

وكان مجلس نظام الملك مجمع الفضلاء فوقع لأبي حامد في مجلسه ملاقاة الفحول ومناظرة الخصوم في فنون العلوم فأقبل نظام الملك عليه وانتشر ذكره في الآفاق فرسم له تدريس المدرسة النظامية ببغداد وصنف كتباً لم يصنف مثلها ثم حج وترك الدنيا واختار الزهد والعبادة وبالغ في تهذيب الأخلاق ودخل بلاد الشام وصنف كتباً لم يسبق إلى مثلها كإحياء علوم الدين ثم عاد إلى خراسان مواظباً على العبادات إلى أن انتقل إلى جوار الحق بطوس سنة خمس وخمسمائة عن أربع وخمسين سنة‏.‏

قيل‏:‏ ان تصانيفه وزعت على أيام عمره فأصاب كل يوم كراس‏.‏

حكى الشيخ أبو الفتح عامر الساوي قال‏:‏ كنت بمكة سنة خمس وأربعين وخمسمائة فبينا أنا بين النوم واليقظة إذ رأيت عرضة عريضة فيها ناس كثيرون وفي يد كل واحد مجلد يحلقون على شخص فقالوا‏:‏ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏!‏ وهؤلاء أصحاب المذاهب يعرضون مذاهبهم عليه‏.‏

فبينا أنا كذلك إذ جاء واحد بيده كتاب قيل إنه هو الشافعي فدخل وسط الحلقة وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد الجواب عليه وهو عليه السلام في ثياب بيض على زي أهل التصوف فقعد الشافعي بين يديه وقرأ من كتاب مذهبه واعتقاده عليه ثم جاء بعده رجل آخر قالوا انه أبو حنيفة وبيده كتاب فسلم وقعد بجنب الشافعي وقرأ مذهبه واعتقاده ثم يأتي صاحب كل مذهب حتى لم يبق إلا القليل وكل يقرأ ويقعد بجنب الآخر‏.‏

ثم جاء واحد من الروافض وبيده كراريس غير مجلدة فيها مذهبهم واعتقادهم وهم أن يدخل الحلقة فخرج واحد ممن كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الكراريس ورماها خارج الحلقة وطرده وأهانه‏.‏

فلما رأيت أن القوم قد فرغوا قلت‏:‏ يا رسول الله هذا لاكتاب معتقدي ومعتقد أهل السنة لو أذنت لي قرأت عليك‏.‏

فقال‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أي شيء ذلك قلت‏:‏ قواعد العقائد للغزالي‏.‏

فأذن لي بالقراءة فقعدت وابتدأت‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المبديء المعيد الفعال لما يريد ذي العرش المجيد والبطش الشديد الهادي صفوة العبيد إلى النهج الرشيد والملك الشديد المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد بحراسة عقائدهم من ظلمات التشكيك والترديد إلى أن وصلت إلى قوله‏:‏ وانه تعالى بعث الأمي القرشي محمداً صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم كافة من الجن والانس فرأيت البشاشة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلي وقال‏:‏ أين الغزالي كأنه كان واقفاً في الحلقة‏!‏ فقال‏:‏ ها أنا ذا يا رسول الله‏!‏ فقدم وسلم على رسول الله عليه السلام فرد عليه الجواب وناوله يده المباركة‏.‏

فصار الغزالي يقبل يده المباركة ويضع خديه عليها تبركاً بها فما رأيت رسول الله عليه السلام أكثر استبشاراً بقراءة أحد مثل استبشاره بقراءتي فسأل الله تعالى أن يميتنا على عقيدة أهل الحق وأن يحشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين قال الأبيوردي‏:‏ بكى على حجّة الإسلام حين ثوى من كلّ حيٍّ عظيم القدر أشرفه مضى وأعظم مفقودٍ فجعت به من لا نظير له في النّاس يخلفه وينسب إليها ملك الابدال أحمد بن محمد بن محمد الغزالي‏.‏

كان صاحب كرامات ظاهرة‏.‏كان أخوه حجة الإسلام يقول‏:‏ ما حصل لنا بطريق الاشتغال ما حصل لأحمد بطريق الرياضة‏.‏

حكي أن الشيخ محمداً كان يصلي والشيخ أحمد حاضر فلما فرغ من صلاته قال له‏:‏ أيها الأخ قم أعد صلاتك لأنك كنت في الصلاة تحاسب حساب البقال‏!‏ وحكي أن السلطان ملكشاه كان مريداً للشيخ أحمد فذهب ابنه سنجر إلى زيارة الشيخ وكان حسن الصورة جداً فالشيخ قبله في خده فكره الحاضرون ذلك وذكروه للسلطان فقال السلطان لابنه سنجر‏:‏ الشيخ قبل خدك قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ملكت نصف الأرض ولو قبل الجانب الآخر ملكت كلها‏!‏ وكان الأمر كذلك‏.‏

وحكي أن رجلاً أراد أن يأخذ امرأة خاطئة ليلة بأجرة معلومة فالشيخ زاد في أجرتها وأخذها إلى بيته وأقعدها في زاوية من البيت واشتغل هو بالصلاة إلى الصباح‏.‏

فلما كان النهار وقد أعطاها أجرتها قال لها‏:‏ قومي واذهبي إلى حيث شئت‏!‏ وغرضه دفع الزنا عنهما رحمة الله عليه ورضوانه‏.‏

وينسب إليها الحكيم الفردوسي‏.‏

كان من دهاقين طوس له ملك في ضيعة يظلمه عامل الضيعة فذهب إلى باب السلطان محمود بن سبكتكين لدفع ظلم العامل وكان يطلب وسيلة‏.‏

قيل له‏:‏ الشعراء مقربون الآن لأن السلطان يريد أن يجعلوا له تاريخ ملوك العجم منظوماً وأقربهم إلى السلطان العنصري فطلبه الفردوسي فوجده في بستان ومعه الفرخي والعسجدي فذهب إليهم وسلم وجلس عندهم فقالوا‏:‏ نحن شعراء لا نجالس إلا من كان مثلنا‏!‏ فقال‏:‏ أنا أيضاً شاعر‏!‏ فقالوا‏:‏ أجز معنا هذا البيت‏:‏ قال العنصري‏:‏ جون روي تو خورشيذ نباشذ روشن قال الفرخي‏:‏ مانند رخت كل نبود در كلشن قال العسجدي‏:‏ مر كانت همي كذر كند بر جوشن قال الفردوسي‏:‏ مانند سنان كيو در جنك بشن فقالوا‏:‏ ما أدراك بحال كيو وجنك بشن قال‏:‏ أنا عارف بوقائع ملوك العجم‏.‏

فاستحسنوا ما أتى به الفردوسي وذكروه عند السلطان فأعطى السلطان لكل شاعر جزاء وأعطى للفردوسي أيضاً جزاء‏.‏

فرأوا شعر الفردوسي خيراً من شعرهم وكان شعر كل واحد لا يشابه شعر الآخر لأن شأنها كان فصيحاً وشأنها كان ركيكاً فقال‏:‏ إني أتولى نظم الكتاب كله ولا حاجة إلى غيري‏!‏ فنظم الكتاب من أول زمان كيومرث وهو أول ملك ملك إلى زمان يزدجرد بن شهريار آخر ملوك العجم في سبعين ألف بيت مشتملاً على الحكم والمواعظ والزواجر والترغيب والترهيب بعبارة فصيحة وحمل الكتاب إلى السلطان فأعجبه وأمر له بحمل فيل ذهباً‏.‏

فقال الوزير‏:‏ جائزة شاعر حمل فيه ذهباً كثير ألا حمل فيل فضة وكان الفردوسي يطمع بمنصب رفيع من المناصب مثل الوزارة فلما رأى حمل فيه فضة اشترى به فقاعاً وشربه وألحق بالكتاب هذه الأبيات الثلاثة‏:‏ برين سال بكذشت از سي وبنج بدرويشي وناتواني ورنج بذان تا بيري مرا بر دهذ مرا شاه مر تخت واسفر دهذ جو اندر نهاذش بزركي نبوذ نيارست نام بزركان شنوذ وحكي أن الشيخ قطب الدين أستاذ الغزالي اجتاز على قبر الفردوسي مع أصحابه فقال بعضهم‏:‏ نزور الفردوسي‏!‏ فقال الشيخ‏:‏ دعه فإنه صرف عمره في مدح المجوس‏!‏ فرأى ذلك القائل الفردوسي في نومه يقول له‏:‏ قل للشيخ لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الانسان قتوراً‏.‏بليدة بين واسط وخوزستان قال داود بن أحمد الطيبي‏:‏ مدينة طيب من عمارة شيث بن آدم عليه السلام وما زال أهلها على ملة شيث إلى أن جاء الإسلام‏.‏

والمدينة قديمة أحدث القدماء بها أشياء وطلسمات منها ما زال ومنها ما بقي‏.‏

ومما زال قالوا‏:‏ كان بها طلسم لدفع العقارب والحيات وكان باقياً إلى قريب من زماننا‏.‏

ومن عجائبها الباقية أن لا يدخلها زنبور البتة فإن دخلها مات ولا يدخلها غراب أبقع ولا عقعق‏.‏

 طيزناباد

معناه عمارة الضراط‏.‏قرية بين الكوفة والقادسية على جادة الحاج من أنزه المواضع‏.‏

وهي محفوفة بالكروم والأشجار والخانات والمعاصر كانت أحد المواضع المقصودة بالبطالة والآن خراب لم يبق بها إلا قباب يسمونها قباب أبي نواس قال أبو نواس‏:‏ قالوا‏:‏ تنسّك بعد الحجّ قلت لهم‏:‏ أرجو الإله وأخشى طيزنابادا أخشى قضيّب كرمٍ أن ينازعني رأس الحطام إذا أسرعت إعدادا فإن سلمت وما نفسي على ثقةٍ من السّلامة لم أسلم ببغدادا‏!‏ بطيزناباد كرمٌ ما مررت به إلاّ تعجبّت ممّن يشرب الماء فهتف هاتف أسمع صوته ولا أراه‏:‏ وفي الجحيم حميمٌ ما تجرعه خلقٌ فأبقى له في البطن أمعاء‏!‏ عانة بليدة بين هيت والرقة يطوف بها خليج من الفرات‏.‏

وهي كثيرة الأشجار والثمار والكروم ولها قلعة حصينة ولكثرة كرومها تنسب العرب إليها الخمر‏.‏

وأهل بغداد إذا شاهدوا ظلماً قالوا‏:‏ الخليفة إذاً في عانة‏!‏ لأن البساسيري استولى على بغداد وحمل القائم بأمر الله إلى عانة وخطب باسم خلفاء مصر سنة فجاء السلطان طغرلبك السلجوقي في سنة أربعين وأربعمائة وحارب البساسيري وقتله وجاء بالخليفة من عانة ورده إلى مقره ومشى قدام مهده راجلاً حتى خاطبه الخليفة بنفسه وقال‏:‏ اركب يا ركن الدين‏!‏ وهو أول سلاطين السلجوقية وأرفعهم قدراً وهو الذي انتزع الملك من سلاطين بني سبكتكين‏.‏

 عبادان

جزيرة تحت البصرة قرب البحر الملح فإن دجلة إذا قاربت البحر تفرقت فرقتين عند قرية تسمى المحرزي‏:‏ فرقة تذهب إلى ناحية البحرين وهي اليمنى واليسرى تذهب إلى عبادان وسيراف والحنابة وعبادان في هذه الجزيرة وهي مثلثة الشكل وإنما قالوا‏:‏ ليس وراء عبادان قرية لأن وراءها بحراً‏.‏

ومن عجائبها أن لا زرع بها ولا ضرع وأهلها متوكلون على الله يأتيهم الرزق من أطراف الأرض‏.‏

وفيها مشاهد ورباطات وقوم مقيمون للعبادة منقطعون عن أمور الدنيا وأكثر موادهم من النذور‏.‏